تنظر إليه وهو ممدّد على فراش الموت.. تتآكلها الحسرة ويجتاحها الألم.. دخل غيبوبةً بعد حادث قدَّره الله جلّ وعلا ولمّا يكمل الخامسة والأربعين.. لم يترك الأطباء فسحة للأمل ترتع فيها إلاّ أن تحدث معجزةٌ تُوقِفُ نزيف دماغه ويستعيد الوعي.. تنظر إليه ويتغشّاها الحزن والخوف معاً.. ثم تنظر إلى السماء من نافذةٍ ضيّقة لتُتَمتِم دعاءً يخترق الفضاء!
لا يقتصر خوفها عليه إذ اكتسح الموت جسده إلا تلك المضغة المسمّاة قلباً.. بل تعدّاه لتفكر في مستقبل عائلتها المكوّنة من أربعة أولاد.. أكبرهم في الجامعة بحاجة لأقساط كبيرة.. وأصغرهم ما زال صغيراً طريّ العود ضعيف الجسم نحيلاً! تتفكّر كيف ستؤمّن أقساط التعليم.. والمعيشة.. والطبابة.. واللباس.. ومسؤوليات ضخام لم تُسأل عنها يوماً وباتت الآن تحت رعايتها بالكامل.. تستعيد مشاهد خزّنتها في عمق الذاكرة ومحادثة معه إثر عزائها لصديقتها بموت زوجها..
= هو: أهلاً فادية.. كيف كان العزاء؟ وهل لبنى متماسكة وصابرة؟ طمئنيني..
- هي: الحمد لله.. هي صابرة ولكنها خائفة من المستقبل.. تشعر أن الضغوط قد كبرت..
= هو: شيء طبيعي.. ولكن الله سبحانه وتعالى سيعينها ثم مَن حولها من أهلها..
- هي: حفظك الله لنا دائماً يا سامي.. وأبقاك لعائلتك.. فبدونك لا أدري ما يمكن أن يحدث لهذه العائلة!
= هو: لا تخافي.. فالله تعالى هو الرزّاق ولن يضيّعكم..
- هي: ونِعم بالله.. ولكني لا أعرف شيئاً عن وضعك المادي.. ديونك.. تجارتك.. أَيِّ شيء في عملك!
= هو: لا تُشغلي نفسك بهذه الأمور.. وتفرّغي للبيت والأولاد.. وكل شيء سيكون على ما يرام..
يُعيدها لواقعها صرير باب الغرفة يدخلها الطبيب، فتنفض غبار الإختناق وتستعير رداء السكون.. وتبتسم!
لا يبدو السيناريو أبداً غريباً عن واقعنا الذي نعيش.. زوجٌ لا يخبر زوجته أي شيء عن مدخوله.. حساباته.. الديون التي له أو عليه.. أو عن أي أمر يجب معرفته لتكون على بيّنة من أمرها في حياتها الأسرية.. وبذلك تقع في الحسرة والتيه حين يغيّب الموت الزوج لتبدأ رحلة المعاناة..
بعض الرجال يعتبرون إخبار زوجاتهم عن أوضاعهم المالية نقصاً لرجولتهم.. أو ترفاً لا تستحقه.. فالبعض يخشى إن هو حدّثها عن نِعم الله تعالى عليه أن تزيد من طلباتها.. والبعض يخجل من أن يُسِرّ لعائلته أنه مديون وأن راتبه قلّما يسد الرمق.. وربما لا يريد أن يُغِمّ أهله لأنّ لا حيلة لهم في الأمر! وفي كل الأحوال يعاني الجميع.. فالمرأة تبكي من إزدراء الزوج لها وفقدانها للصراحة والإحترام.. والأسرة تشكو من عدم كفايتها.. ولا أدري حقيقة مشكلة أن يتنعّم الزوجان بقَدَر إن كان الزوج ميسور الحال طالما أن باستطاعته ذلك!
ولو نظرنا إلى إيجابية بوح الزوج بوضعه الماديّ لرأينا في ذلك خيراً كثيراً.. فستقلّ الطلبات ويكبر التقدير ويُراعى الزوج ويعيش الجميع في الأسرة نفسياً ومادياً بإنسجام مع الأب وبمسؤولية.. فيشعر أنه مدعوم من أسرته، يزيح الهمّ عن كاهله.. ويتشارك الكل في وضع خطة للمصروف وترشيد الدخل والنفقات.. ويتعزّز شعور الزوج أنه مقبول وأن أهميته عند أسرته لا ترتبط فقط بالكسب المادي والرخاء العالي، وبذلك لا يتأثر حبهم له وسعادتهم العائلية بحسب المكاسب المادية..
وبالتالي، فإن مصارحة الزوج زوجته بوضعه المادي، وطريقة إدارته للمصروف، تولّيها الأمر عند الأزمات يخفف من توتر الزوجة وقلقها على حال الأسرة حال الوفاة أو المرض الشديد.. فتكون على علمٍ كيف تتصرّف وكيف تدير الأسرة من بعده.. ولا يتركها للحاجة والعوز والإستجداء لتلملم الفتات المتساقط من موائد السادة!
ومع إيماننا بأن الله جلَّ وعلا هو الرزّاق ذو القوّة المتين.. فإنّ الحياة الزوجية مشاركة بكل أبعادها.. وهذا ما يدفع بالعلاقة إلى السعادة والإستقرار.. فحين يعي الزوجان هذه المعادلة سترتقي العلاقات بلا شك.. وسترتاح النفوس وتكون أُسَرُنا آمنة منَعّمة بإذن ربنا الأعلى..
الكاتب: سحر المصري.
المصدر: موقع صيد الفوائد.